الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الثلاثاء 22 فبراير 2005 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
كزقٍ في الدخان
تاقت نفسي إلى خلاصك. كلامك انتظرت ... فأقول: متى تعزيني؟ لأني قد صرت كزقٍ في الدخان، أما فرائضك فلم أنسها ( مز 119: 81 - 83)
يُشبِّه المرنم نفسه هنا بأنه «كزق في الدخان». وإذا استرجعنا هذه الصورة بحسب عادات وطريقة حياة البدوي في ترحاله في الصحراء قديمًا؛ فقد كان ينصب الخيمة ويعلّق الزق في أعلى الخيمة من الوسط. والزق هو قِربة من الجلد كان يُحفظ بداخلها النبيذ أو عصير العنب، ثم يوقد الموقد داخل الخيمة للتدفئة، ويوضع بحيث يكون دخانه المتصاعد في اتجاه الزق مباشرة. وتحت تأثير الدخان واللهب يفقد الزق لونه وشكله فيسوّد ويضمر ويتقلص، أما النبيذ فيُقال إنه يصبح أحلى مذاقًا. وهكذا نرى أن النار والدخان اللذين يعملان على تشويه الزق من الخارج، هما يجعلان النبيذ أطيب وأحلى!!

«كزقٍ في الدخان» ـ هي صورة لآلام الأتقياء من شعب الله عندما يرزحون تحت مطرقة الألم ويشربون من معصرة الضيقات. فدخان ولهب نيران التجارب تصيِّرهم بلا منظر ويصفّرون ويذبلون، ولكن مع احتراقهم في أتون التجربة، فإن رجاءهم بالله لا يتزعزع وهم ينتظرون خلاصهم بحسب كلمته. وإن كان إنساننا الخارج يفنى، فالداخل يتجدد يومًا فيومًا ( 2كو 4: 16 )، والعصير داخل الزق يزداد حلاوة في الإيمان والرجاء والشهادة.

أحبائي .. إن مدرسة الألم التي يخوضها المؤمن في أرض الغربة، لن تتوقف إلا برقاده أو بمجيء الرب. هل تعلمنا شيئًا من الألم الذي لمجد الله؟ يقول الرسول بولس «لأن خفة ضيقتنا الوقتية تُنشئ لنا أكثر فأكثر ثقل مجد أبديًا» ( 2كو 4: 17 )، ويقول الرسول بطرس: «...الذي به تبتهجون، مع أنكم الآن، إن كان يجب تُحزنون يسيرًا بتجارب متنوعة، لكي تكون تزكية إيمانكم ...» ( 1بط 1: 6 ، 7).

ويفك البدوي الخيمة ليرتحل إلى مكان آخر. فالطريق شاق ومخاطره كثيرة؛ في النهار لفح الشمس، وفي الليل صقيع البرد، وبعدما يأخذ منه التعب أشده، نجده يتوقف لينصب الخيمة من جديد ليستريح. وأول ما يخطر على باله هو هذا الكنز المُخبأ داخل الزق ـ هذا الخمر الذي أعطاه الله لفرح قلب الإنسان ( مز 104: 15 ) فيرتشف منه جُرعة وراء جرعة ليروي عطشه، وهكذا تتجدد قوته وترسخ عزيمته لمواصلة الطريق بالرغم من وعورته حتى النهاية، حيث يرى المدينة التي لها الأساسات التي صانعها وبارئها الله.

جيمس إسحق
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net