ومن هناك إلى بئر. وهي البئر حيث قال الرب لموسى: اجمع الشعب فأعطيهم ماءً ( عد 21: 16 )
ما أجمل كلمات الرب لموسى: «اجمع الشعب فأعطيهم ماءً». إن الرب يحب أن يرى شعبه مجتمعين معًا، وعندئذٍ لا بد أن يعطي ماء، أو بلغة كاتب المزمور: «هناك أمر الرب بالبركة» ( مز 133: 3 )، وذلك عن طريق تعزيات الروح القدس.
ونحن نعرف أنه لما كلم الرب موسى بهذه الكلمات لم تكن هناك بئر بعد، ما كان الشعب يرى أمامه إلا فيافي وقفار، لكن الرب كأنه يقول لموسى: ”على أي حال اجمع الشعب، ومهما كانت طبيعة الأرض فإني سأعطيهم ماء. سأحول أنا البرية إلى بير، والقفر إلى غدير!“ وكثيرًا ما فعل الرب معنا ذلك، وكثيرًا ما اختبرنا قول المرنم: «طوبى لأُناس عزهم بك، طرق بيتك في قلوبهم، عابرين في وادي البكاء، يُصيرونه ينبوعًا» ( مز 84: 5 ، 6).
وعطية الماء هذه المرة كانت من مجرد نعمة الله، ولأول مرة هنا لم ترتبط العطية بالتذمر، بل كانت من فيض محبة الرب للشعب.
في خروج 17 كانت عطية الماء رمزًا لعطية الروح القدس نتيجة عمل الصليب، وعطية الماء في عدد20 تشير إلى عطية الروح القدس نتيجة صعود المسيح إلى ذُرى المجد، وأما هنا في عدد21 فهي تمثل عطية الماء المُنعش لنا في الطريق، حيث نختبر قول المرنم:
هل في طريقك البراري والقفارْ
حيثُ الظمَا، فهاكِ أنهارًا غِزارْ
تجري بفيضٍ وسخاءْ
فيها لكِ كلُ ارتواءْ
والجميل حقًا إننا هنا لا نجد أدنى شك من جانب الله، ولا أدنى استحقاق من جانب الشعب، ولا حتى طلب منهم، بل بكل بساطة، يقول الرب لموسى: «اجمع الشعب فأعطيهم ماءً». لقد اختبر الشعب في ذلك الوقت قول النبي: «أفتحُ على الهضاب أنهارًا، وفي وسط البقاع ينابيع. أجعل القفر أجمة ماء، والأرض اليابسة مفاجر مياه» ( إش 41: 18 ).