الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الثلاثاء 24 مارس 2009 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
في البرية .. في أرض العطش
أنا عرفتك في البرية في أرض العطش ( هو 13: 5 )
البرية .. أرض العطش. يا لها من كلمات تحمل للنفس كل معاني الخوف والرهبة! فمَن منا وإن ظن عبثًا أنه يقدر أن يسير بمفرده في هذه الفلاة بكل تهاويلها، إلا وترتطم رجلاه سريعًا بصخور البرية، بل وتُدميها أشواك الطريق؛ وسريعًا ما ترتخي يداه، وترتعش ركبتاه، أو تغدو مُخلَّعة بالأحرى. ومَن منا ظن هباءً أن يفغَر فاه ليملأ من هذه الأرض الغادرة مُشتهاه، إلا وراح يصرخ بسبب يبوسة الحلق وظمأ النفس؟ ومَن منا برأس كليلٍ راح يبحث عن مَسنَد ليتكئ، فإذا بدل الوسائد يجد الأحجار، والحَسَك يملأ حتى الأشجار، والمُعضلات تجعل العقل يَحَار أمام عالمٍ كل لحظة يُسرع إلى الانهيار. ليلهُ طويل يرخي سدوله بيأس فيقتل أمل ظهور النهار، وإذا ما ظهَر، فما الإصباح منه بأمثلِ ـ كما قال أحد الشعراء.

ولكن مَن يملأ الرفيق الأعلى دروبهم، ويهدي خطواتهم، لا عَجب أن تسمعهم ينشدون حتى وهم يجتازون مضايق الزمان، إذ يظلم الجو ويكفهِّر:

كيف بهذا الخلاء المَخوف يعبر مثلي بلا أدنى خوف؟
هل لضعيفٍ هزيل الخُطى أن يأمن الصروف؟

ويجدر بنا أن نعرف أن هذا السؤال ليس هو لغة الشك، أو الاستنكار، ولكنها لغة التيقن، والتعجب أيضًا؛ لغة الذي يعرف يقينًا السبيل إلى ذلك:

لكن سيدي في القفرِ قد رافقني وطريقي أعد
يُرشدني بل ويحملني يقودني للمجد

فننشد بلغة الانتصار:«هوذا الله خلاصي فأطمئن ولا أرتعب، لأن ياه يهوه قوتي، وترنيمتي، وقد صار لي خلاصًا» ( إش 12: 2 ).

وإن كنا في كلمة «البرية» و«أرض العطش» نسمع ما مِن شأنه أن يرعب النفس ويرجفها، فإننا في كلمات السيد الذي يرافق، والذي يحمل ويرشد، بل ويقود صوب المجد، مُخاطبًا إيانا: «أنا عرفتك»، نسمع ما مِن شأنه أن يحمل للقلب رنينًا عذبًا، وكأن خرير مياه الراحة يعلو صوته، ويرِّن بصداه الشجي في قلوب مَن هم على سَفَرٍ.

بطرس نبيل
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net