ونذر يفتاح نذرًا للرب .. إن دفعت بني عمون ليدي، فالخارج الذي يخرج من .. بيتي للقائي عند رجوعي .. .، يكون للرب، وأُصعده مُحرقة ( قض 11: 30 ، 31)
لقد تعجَّل يفتاح ونذر للرب نذرًا لم يكن له لزوم. فالرب سبق وأعطى الأرض لشعبه، والرب لا يندم في عطاياه قط. وأما من جهة الأعداء المُغتصبين لحقوق الشعب، فإن روح الرب كان قد حلّ عليه ( قض 11: 29 )، فماذا تكون قوة الأعداء أمام رجل قد حلَّ عليه روح الرب؟
لكن بالأسف لم يكتفِ يفتاح بقوة روح الرب. وارتكب الغلطة الكبرى، إذ استعجل ونطق بنذر دون تفكير أو تروٍ. وبذا وضع نفسه في موضع خطأ، سواء تمم النذر أم لم يتممه. لذلك قال الحكيم: «لا تستعجل فمك ولا يُسرع قلبك إلى نُطق كلام قدام الله» ( جا 5: 2 ).
لقد تحمّل يفتاح في مُقتبل حياته نتائج غلطة لم تكن غلطته. إذ جاء إلى العالم نتيجة نشوة رعناء من أبيه؛ فهو ابن امرأة زانية. ونظر المجتمع نظرته المُريبة إلى هذا الطفل الوليد، وعاقبه على ذنب لم يرتكبه هو. غيره حدد مستقبله، ودانه الآخرون على ذلك! وها ابنته تتحمل نتائج غلطة أخطأ بها أبوها. قد يستطيع يفتاح إذًا أن يقول: ”هذا جناه أبي عليَّ“، لكنه لا يستطيع أن يردف قائلاً: ”وما جنيت على أحد“. فلقد جنى هو على ابنته نتيجة عدم ضبط لسانه، بأقصى مما جنى هو من عدم ضبط أبيه لشهوته!
خطير عدم ضبط شهواتنا، نتحمل نحن وزره، ويتحمله معنا أشخاص أبرياء. ولكن لا يقّل خطورة عنه عدم ضبط ألسنتنا. لذا حسنٌ أن ندرب أنفسنا على التأني قبل أن نتكلم، عالمين أن أشياء كثيرة كان ممكن أن تكون أفضل مما كانت، لو أننا طلبنا إرشاد الرب قبل الكلام.
كان يفتاح بكل يقين مُخلِصًا عندما نطق بنذره، مُخلِصًا عندما نفَّذه، لكنه كان أيضًا مُخطئًا. ونحن لا يسَعنا سوى الإعجاب من إخلاصه، ولكننا لا نبرره أبدًا على اندفاعه. آه، لو ضبط يفتاح لسانه! وآه لو كان أكثر تعلمًا من كلمة الله، وأكثر خضوعًا لروح الله! لَمَا تحوَّل الرقص إلى نوح له ولابنته! ومن هذا نتعلم أنه لا يكفينا إيمانًا بسيطًا مُخلصًا، بل نحتاج أيضًا إيمانًا متعلمًا من الله، منضبطًا بروحه، سالكًا بحسب إعلانه.