... يا سيد، إن أردت تقدر أن تُطهرني. فمدَّ يسوع يده ولمسه قائلاً: أُريد فاطهُر! وللوقت طَهُر برصه ( مت 8: 2 ، 3)
معجزة تطهير الأبرص هي أول معجزة مسجلة للمسيح في البشائر الأربع. وهي معجزة عظيمة في نظر اليهود الذين عُملت المعجزة بينهم، والذين كتب متى البشير إنجيله إليهم، وذلك لجملة أسباب:
أولاً: لأن مرض البرَص هو مرض بَشِع للغاية، يجعل صاحبه كالميت الذي أُكل نصف لحمه ( عد 12: 12 ). فما أبشع هذا المرض!
ثانيًا: يُعتبر هذا المرض ـ بحسب شريعة موسى ـ نجاسة، تحرم صاحبها ليس فقط من ممارسة العبادة في هيكل الله، بل حتى من الاختلاط مع شعب الله، فكان يتم عزله خارج أماكن إقامة الشعب. وعن هذا المرض اللعين أفرد الناموس أصحاحين كاملين لشرح كيفية التعامل مع المُصابين (لا13، 14).
ثالثًا: إنه كان يستحيل الشفاء من هذا المرض. ولهذا فإنه عندما أرسل ملك أرام إلى ملك إسرائيل رئيس جيشه؛ نعمان السرياني ليشفيه من برصه، مزق الملك ثيابه، وقال: «هل أنا الله لكي أُميت وأُحيي، حتى إن هذا يُرسل إليَّ أن أشفي رجلاً من بَرَصهِ؟» ( 2مل 5: 7 ). مما يوضح لنا نظرة الناس إلى خطورة هذا المرض، واستحالة الشفاء منه.
لكن المسيح في هذه المعجزة بلمسة واحدة مصحوبة بأمر منه، طهَّر الأبرص!
ويلفت النظر أن الرب يسوع لم يكن دائمًا يلمس مَن يقوم بشفائهم، فكثيرًا ما اكتفى بالكلمة وحدها، لكنه في حالتنا هذه لمس الأبرص. ولقد كان ـ بحسب الشريعة ـ مَن يلمس الأبرص يتنجس، لكننا هنا نرى شخصًا يلمس الأبرص فلا يتنجس هو، بل الأبرص هو الذي يَطهُر. فمَن يكون هذا الشخص العجيب؟
وعندما أتى ذلك الأبرص، قال للمسيح: «يا سيد، إن أردت تقدِر أن تُطهرني»، فقال له يسوع: «أُريد فاطهُر!». لاحظ إن المسيح لم يَقُل له: ”كل شيء بإذن الله“، بل قال: «أريد». ونقرأ: «وللوقت طَهُر بَرَصُهُ».
تُرى مَن الذي له سلطان أن يقول: «أُريد» ولا يقولها فقط، بل يفعل أيضًا. حقًا لقد أثبت المسيح بهذا أنه هو الله «الذي يعمل كل شيء حسب رأي مشيئته» ( أف 1: 11 ).
والمسيح هنا نراه بحنانه يلمس الأبرص المنبوذ، وبقوته يُطهِّره من برصه. مجدًا له، فإنه صاحب أرق قلب، وأقوى ذراع.