الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأحد 2 أغسطس 2009 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
الوديع الخاضع
...المُدن التي صُنعت فيها أكثر قواته ... لم تَتُب .. في ذلك الوقت أجاب يسوع وقال: أحمدك أيها الآب رب السماء والأرض ( مت 11: 20 - 25)
كلمة ”الوداعة“ في اليونانية هي ”Praus“ والتي يفسرها قاموس Vine بأنها ليست مجرد سِمَة خارجية يتصف بها الشخص مع مَنْ يتعاملون معه، لكنها قوة ناتجة عن عمل داخلي في النفس البشرية، ينتج عنها اتجاه الروح للخضوع لله ومشيئته، وأخذ كل الأمور من يدي الله على أنها للخير، دون مقاومة أو مُجادلة ... فالوداعة إذًا مظهر للقوة وليس للضعف، وهي وصف أساسي لحالة القلب والعقل الذي لا يُطالب بما لنفسه ويصرّ على رأيه متمركزًا حول ذاته. والمعنى يتضح بصورة أقوى حينما نستعرض سِمات الوداعة في حياة الرب.

إننا نقرأ في متى11 أن المدن التي صنع الرب فيها أكثر قواته «لم تَتُب»، ولا شك أن هذا الأمر مُثبطًا لآمال أي خادم لله، والوضع الطبيعي أن يسأل الرب يسوع الآب قائلاً: ”إنك أنت الذي أرسلتني إلى هذا المكان، ومن ذاتي لم آتِ مُطلقًا، فلماذا فشلت خدمتي؟ ولماذا لم تُرني نفوسًا تائبة وراجعة؟ أ لستُ أعظم من يونان الذي بسبب كرازته الفاشلة ـ بكل مقاييس الخدمة ـ تابت مدينة عظيمة مثل نينوى؟!“. لكن الرب ـ تبارك اسمه ـ وهو أعظم خادم شهدته الأرض على الإطلاق، لم يجادل الآب، ولم يناقش مقاصده، ولكنه، بكل خضوع لمشيئة الله، حمد الآب قائلاً: «أحمدك أيها الآب ... لأن هكذا صارت المسرة أمامك». ”إنني خاضع لِما تريد، طالما أنت مسرور، وهذه هي مقاصدك“، وإن كان في سبيل ذلك يعتريه شعور مؤلم برفض خدمته التاعبة، وهذا ما عبَّر عنه بروح النبوة قائلاً: «عبثًا تعبت باطلاً، وفارغًا أفنيت قدرتي» ( إش 49: 4 ).

إن الخادم مجروح الكرامة، في مثل هذا الموقف، إن لم يتجاسر بإلقاء الملاَمة على الله، فعلى الأقل سيلقي الملاَمة على الناس قُساة القلوب الذين لم يقدِّروا الخدمة ولا الخادم. والعجيب أنه في ذات المشهد قال الرب عبارته المشهورة: «تعلموا مني، لأني وديع ومتواضع القلب، فتجدوا راحة لنفوسكم» ( مت 11: 29 )، وبذلك أعطانا تعريف الوداعة كما يُعلنه الكتاب، وهو الخضوع لمشيئة الله دون مُجادلة، وعدم الاعتداد بالنفس.

مسعد رزيق
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net