الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأحد 28 فبراير 2010 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
أغوار آلام الجلجثة
إلهي، إلهي، لماذا تركتني، بعيدًا عن خلاصي، عن كلام زفيري؟ ( مز 22: 1 )
ماذا تعنيه تلك الصرخة القوية التي صدرت، لا من اللّصين عن جانبي الصليب، بل من المسيا المرفوض المُعلَّق بينهما؟ «إلهي، إلهي، لماذا تركتني؟». إن أقسى مرارة في تلك الآلام التي لا مثيل لها، هي هذه: العبد البار المحبوب، متروكًا من إلهه في الوقت الذي فيه مرفوضًا من شعبه، مُستهزأً به من الأمم، مهجورًا من تلاميذه. أي نعم، لماذا ـ بعد أن ظل الرب طوال خطوات طريقه في التجربة والأحزان متمتعًا بضياء وجه الله بلا انقطاع، لماذا يُحجب عنه ذلك الضياء، في الوقت الذي كان فيه أشد حاجة إلى إشراقه وتعزياته؟ لقد كان الرب يعرف السبب جيدًا، ولكنه ترك الجواب للإيمان يستخرجه من قلوب أولئك الذين كانوا أمواتًا ولكنهم استطاعوا الآن بفضل ذلك الذي حَمَلَ هو نفسه خطاياهم في جسده على الخشبة، أن يعترفوا بأنه لم يكن لديهم سوى خطاياهم. حقًا ما كان أعمق إثمنا! ولكن أعمق منه بكثير كانت محبة الله الذي أرسل ابنه فقط كحياة للأموات، بل كفارة لخطايانا مهما كان الثمن. وقد كان الثمن أعظم من أن يُقاس: تعييرات، وازدراء، وضحك، واستهزاء، وسهام سخرية تطعنه من كل جانب، من رجال الدين والسياسة والجندية، بل حتى من ذينك المجرمين المصلوبين، ثيران كثيرة، أقوياء باشان اكتنفته، كلاب وجماعة من الأشرار أحاطت به، آلام بدنية زاده إحساسه بها ولم يخفف وقعها عليه كماله الشخصي، حينما انسكب كالماء وانفصلت كل عظامه، وذاب قلبه كالشمع، ويبست مثل شقفة قوته، ولصق لسانه بحنكه. ولكن ما هذا كله مجتمعًا بالمقابلة مع تركه من إلهه كما أحسّ هو واعترف به تبارك اسمه؟

لقد لاقى الكثيرون من قديسيه آلامًا بدنية مُبرحة من الأمم ومن اليهود، وكانوا في ذلك العناء الثقيل مملوئين صبرًا وسرورًا، أما سيدنا فهو وحده الذي يعترف بفمه أن الله تركه، ويعترف بذلك لله في شدة أوجاع الصليب وأهواله العنيفة باعتباره أعمق وأقسى وَبَل جازت فيه نفسه، ويعترف به بصوت عظيم وصرخة داوية حتى يسمعها الأعداء ولو أنهم لم يدركوا من معنى تلك الصرخة وذلك الاعتراف أكثر مما أدركه أحباؤه، إلى أن أوضح الرب المُقام كل شيء، وأيَّدَه بعد ذلك الروح القدس بقوة لسلام المؤمنين والشهادة للجميع.

وليم كلي
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net