الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الخميس 3 نوفمبر 2011 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
داود وشاول
ارحمني يا الله حسب رحمتك. حسب كثرة رأفتك امحُ مَعَاصيَّ...، ومن خطيتي طهرني. لأني عارفٌ بمعاصيَّ، وخطيتي أمامي دائمًا ( مز 51: 1 - 3)
إن شخصية داود تكاد تكون هي أكثر شخصية ظهرت فيها مختلف الاختبارات. لقد عرف فعلاً القمم بل والقيعان التي تميز طريق رجل الإيمان. ففي لحظة نجده يُخرج من قيثارته أعذب الألحان، وفي لحظة أخرى يسكب أحزان روح جريحة وضمير مُنجس. فهذا التنوع في الاختبارات، جعل من داود نموذجًا مناسبًا لإظهار نعمة الله المتنوعة. وهكذا الحال دائمًا، فالابن الضال ما كان يدرك معنى الشركة السامية لو لم يكن قد عرف أعماق الذل والتعاسة في الكورة البعيدة. والنعمة التي زينته بأفضل حُلة، ما كانت تلمع بذلك الضياء الباهر لو لم يلبس قبلها تلك الأسمال الرثّة البالية. وهكذا نجد أن نعمة الله تتعظم عند خراب الإنسان. وكلما كان هذا الخراب تامًا، كلما زاد شعور الإنسان بحاجته إلى نعمة الله التي تسمو وتزداد قيمتها أمامه.

تُرى لماذا لم يحصل الابن الأكبر أبدًا على جَدْي ليفرح به مع أصدقائه؟ هذا لأنه ظن أنه صاحب حق، وأنه يستحق هذا، فنسمعه يقول: «ها أنا أخدمُك سنين هذا عددها، وقطُّ لم أتجاوز وصيتك، وجدْيًا لم تُعطني قط لأفرح مع أصدقائي» ( لو 15: 29 ). يا له من مسكين! كيف يمكنه انتظار الخاتم أو الحُلة الأولى أو العجل المُسمَّن؟ ولو كان قد حصل عليهم لأصبحوا زخارف وزينة لبره الذاتي، بدلاً من أن يكونوا زينة النعمة التي تجمّل بها الخاطئ الذي آمن.

وهكذا كان الحال مع شاول. لم يحدث أبدًا أن شاول عرف احتياجاته مثلما عرف داود. كما لم يسجل عنه أية خطايا فاحشة أو على الأقل ما يدعوه الناس فاحشة. كان شاول هو الرجل المُهذب والمتدين ظاهريًا، وهو أيضًا رجل البر الذاتي، ولذلك نسمع منه مثل هذه الأقوال: «قد أقمت كلام الرب ... إني قد سمعت لصوت الرب في الطريق الذي أرسلني فيها الرب» ( 1صم 15: 13 ، 20). فكيف يستطيع مثل هذا أن يقدِّر النعمة؟ هذا مستحيل، فقلب لم ينكسر، وضمير لم يقتنع برداءته، لن يمكنه أبدًا أن يعرف مفهوم النعمة.

أما داود فكان مختلفًا تمامًا عن شاول. لقد شعر بخطاياه، وناح عليها، واعترف بها، وحكم عليها في محضر الرب الذي غفرها له بنعمته، ومحاها إلى الأبد. وهكذا يوجد فارق كبير بين شخص يجهل حقيقة خطاياه ويسلك في رضى عن نفسه، وشخص آخر يشعر بخطاياه بعمق، لكنه سعيد إذ تحقق من غفرانها إلى التمام.

ماكنتوش
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net