أن أنلقب «ابن الإنسان» يخص المسيح، ليس باعتباره عريس الكنيسة بل باعتباره ديَّان العالم (انظر يوحنا 5: 27). ولقد شبَّه المسيح حال الناس عندما يأتي مرة ثانية لإجراء الدينونة على كل الأرض، بحال الناس أيام نوح، عندما امتلأت الأرض ظلمًا وفسَدت الأرض كلها أمام الله، إذ أفسد كل بشر طريقه على الأرض. وهذا التشبيه هو في تمام المناسبة من زاويتين على الأقل
مُشابهة تدبيرية: فنوح جاء في نهاية عالم قديم أُغرق وأُدين بالطوفان، لكي يبدأ عالم آخر جديد. وهكذا مجيء ”ابن الإنسان“ بالمجد والقوة، سيُنهي بالدينونة هذا ”العالم الحاضر الشرير“، لكي يبدأ عالم جديد، فاضت في وصفه العديد من النبوات ( أع 3: 21 ؛ عب2: 5). كانت دينونة الطوفان هي الدينونة العامة الأولى، وهنا نجد الدينونة الأخيرة.
مُشابهات أدبية: هناك العديد من المشابهات الأدبية بين الفترتين: فتوصف أيام نوح بأنها أيام الطغاة المُفترين، وأيام الفساد الأدبي المرعب، وهكذا اليوم. لقد انتشر الظلم والقسوة والإرهاب بصورة بشعة جدًا، كما امتلأت الأرض بالفساد الأدبي والروحي بصورة لم يسبق لها مثيل.
ثم اللامبالاة: فيقول الرب هنا: «لأنه كما كانوا في الأيام التي قبل الطوفان يأكلون ويشربون، ويتزوجون ويزوجون، إلى اليوم الذي دخل فيه نوح الفلك». فنوح لمَّا أخبرهم عن الدينونة، لم ينوحوا تائبين، بل استمروا في مسَارهم غير عابئين، حتى قُبض عليهم قبل الوقت، وانصب الغمر على أساسهم ( أي 22: 16 ).
ونحن نتساءل: أ يعرف العالم اليوم زمان افتقاده؟ أ يعرف أنها الآن ساعة ليستيقظ من غفلته، سُبات النائم في زورق يغرق؟ هل يدرك العالم حتمية التوبة والإيمان، وضرورة الالتجاء إلى الفادي المنَّان، قبل فوات الأوان؛ وقبل أن يستيقظ في هاوية وسط الغضب، لا ماء فيها بل لهَب، وعندها لن يفيد البكاء ولن ينفع الذهب؟
ثم هناك الانصراف إلى الملذات، فلقد ”كانوا يأكلون ويشربون“. وطبعًا لا يُوجد شر في أن يأكل الإنسان أو يشرب، ولا حتى أن يتزوج أو يُزوِّج. لكن عندما يذكر الرب هذه الأمور كالطابع المميِّز لحياة الناس فهذا معناه أنهم قد انصرفوا تمامًا إلى بطونهم وإلى شهواتهم الحسية. وكأن الإنسان ليس إلا جسد، وكأن ليس بعد الحياة التي نحياها هنا على الأرض وجود ولا خلود.