الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الجمعة 8 فبراير 2013 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
مُستريح مُوآب
مُسْتَرِيحٌ مُوآبُ مُنْذُ صِبَاهُ ... لِذلِكَ بَقِيَ طَعْمُهُ فِيهِ، وَرَائِحَتُهُ لَمْ تَتَغَيَّر ( إرميا 48: 11 )
في داخل كل مِنَّا رغبة في الاستقرار؛ نفسيًا وماديًا وأُسريًا. وكلنا نسعى للحياة في مجتمعات مستقرة تتسم بالأمن والاطمئنان والعيش الكريم. وهذه بحد ذاتها رغبات مشروعة ولا غبار عليها. إلا أننا نفاجأ أحيانا بعكس ذلك، تأتي الرياح بما لا تشتهيه السفن، فيغيب الأمن والهدوء من المجتمع، وتلوح في الأفق ملامح الأزمات الاجتماعية والاقتصادية، وتبدأ مشاعر الخوف والهواجس في التسلل إلينا، وعلى أقل تقدير يغيب الإحساس بالاستقرار.

والآية التي في صدر المقال تُلقي الضوء على قصد الله من أوقات عدم الاستقرار التي يسمح بها لنا. «مُستريح موآب منذ صِباه، وهو مستقر على دُردِّيه». كان مُوآبُ منذ بدايته ينشد الراحة فوجدها، ويسعى للاستقرار فحصل عليه. بعكس الشعب الأرضي الذي عانى في كل مراحله من الضيق والألم والسبي. «لم يُفرَّغ من إناء إلى إناء». التشبيه هنا هو لعملية تعتيق الخمر ( صف 1: 12 ). كان عصير العنب يوضع في أواني لفترة حتى يختمر. في هذه الأثناء تترسب الشوائب إلى أسفل، فيتم تفريغه إلى أواني أخرى مع مُراعاة تصفية هذه الشوائب ذات النكهة الخاصة. وهكذا تتكرر العملية حتى، في نهاية بضعة أشهر، يحصلون على خمر عتيقة طعمها جيد ورائحتها متميزة.

هذا يصف تمامًا معاملات الله الحكيم معنا فهو يعلم جيدًا أن الاستقرار خطر شديد على كل واحد من أولاده. لذا يسمح بالتفريغ من إناء إلى إناء، ويسمح بحرمان عاطفي، أو ضغوط مادية أو أمراض، أو أوقات من الاكتئاب، أو عدم فهم الأقربين، أو تجاهل الآخرين. قد يسمح في أوقات أخرى بمضايقة أو ضغط ممن يبغضون شعبه، أو تطاول أو تعيير من أحدهم. فالسبي المذكور هنا (ع11) يمثل الضغط والإذلال من الآخرين.

لماذا كل هذا؟ حتى لا يبقى طعمه فيه وحتى تتغير رائحته. من جهة الرمز الروحي، موآب يمثل الجسد الموجود في المؤمن. هذا الجسد له طعم رديء كلنا ذقناه في أنفسنا وغيرنا، وله رائحة كريهة نعرفها جيدا. هذا الجسد لا يصلح معه الاستقرار. من هنا يُجيزنا الرب في الألم حتى نتعلَّم إدانة الجسد، عندئذ تبدأ رائحة المسيح الذكية تفيح فينا. ولهذا إذا قابلت مؤمنا يقبل من يد الرب كل ضغط وكل وجع في حياته، ستشتم فيه رائحة عطرية، هي رائحة المسيح الذكية.

فريد زكي
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net