الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الأربعاء 26 يونيو 2013 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
غباوة الزارع الغني
فَقَالَ لَهُ اللهُ: يَا غَبِيُّ! هَذِهِ اللَّيْلَةَ تُطْلَبُ نَفْسُكَ مِنْكَ، فَهَذِهِ الَّتِي أَعْدَدْتَهَا لِمَنْ تَكُونُ؟ ( لوقا 12: 20 )
لقد نجح ذلك الزارع في عمله وأصبح غنيًا. لقد أحسن إدارة مزرعته، وبجدّه ومهارته أخصبت كورته، وبذوره التي بذرها أثمرت بوفرة. وظاهر من مضمون المَثَل أن وفرة المحصول قد تعدَّت كل ما كان يتوقعه ذلك الزارع حتى إنه لم يستطع أن يجد مكانًا يخزن فيه هذا المحصول الهائل. وبالطبع كان مسرورًا أن يرى هذه الغلة الوفيرة كنتيجة لمجهوده الذي بذله على حقوله، وكان أول فكر عنده أن يخزنها لنفسه ”ماذا أعمل، لأن ليس لي موضعٌ أجمع فيه أثماري؟“، كانت هذه هي شكواه الوحيدة، إن صح أن تُعتبَر كذلك.

عند هذه النقطة، في المَثَل، يختفي الزارع الغني ويحل مكانه شخص غبي. فهو لم يستطع أن يرفع بصره إلا إلى ارتفاع باب مخزنه. وتمكن أن يرى العطية المتفاضلة دون المُعطي الكريم. لم يكن الله في فكره. لم يَقُل: «ماذا أرُدُّ للرب من أجل كل حسناته لي؟» ( مز 116: 12 )، بل قال: ”أين أجمع كل هذه الغلة لأخزنها لنفسي؟“ وكما أن «رأس الحكمة مخافة الرب» ( مز 111: 10 )، هكذا ”رأس الغباوة نسيان الله“.

لقد امتلأ هذا الزارع بضمير المتكلّم؛ فكلمة ”أنا“ و”ياء المتكلّم“ في لغته تُظهران مركز مشروعاته الذاتية «أعمل هذا: أهدِم مخازني وأبني أعظم، وأجمع هناك جميع غلاتي وخيراتي، وأقول لنفسي: يا نفسُ لكِ خيرات كثيرة، موضوعة لسنين كثيرة. استريحي وكُلي واشربي وافرحي!». ففي ترتيباته احتلت الذات كل مكان، أما الله فلم يكن له مكان. وهكذا في أحلام غباوته رأى ذلك الزارع نفسه مُستغنيًا عن كل إنسان، وعن كل شيء. لقد كان له «خيراتٌ كثيرة»، موضوعة «لسنينَ كثيرة»، ويستطيع الآن أن يترك الفلاحة إطلاقًا ويستريح.

ولكن ذلك الزارع قد أخطأ في حسابه الخطأ الفاحش إذ تجاهل الله. فهو لم يطلب إرشادًا من الله، ولكن الله جاء إليه وكشف له غباوته. وهو كإنسان تعوَّد أن ينظر إلى قدام، رأى لنفسه زمان راحة وهناء وفرح لسنينٍ كثيرة. ولكن الله أراه أن آماله ستنهار في تلك الليلة عينها، ليس بعد «سنين كثيرة»، بل «هذه الليلة تُطَلب نفسك منكَ»، وكل خيراته ستُترك خلفه لآخرين.

فليأخذ القارئ عِبرة من هذا المشهد؛ مشهد حساب خانه التقدير السليم، لأن صاحبه كان يخطط غير واضع الله في اعتباره، فلم يستَفِد شيئًا بل خسر نفسه.

هوكنج
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net