الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الجمعة 30 أغسطس 2013 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
الابن الأصغر والابن الأكبر
قَالَ لأَبِيهِ: هَا أَنَا أَخْدِمُكَ ..وَقَطُّ لَمْ أَتَجَاوَزْ وَصِيَّتَكَ، وَجَدْيًا لَمْ تُعْطِنِي قَطُّ لأَفْرَحَ مَعَ أَصْدِقَائِي ( لوقا 15: 29 )
إن الفكرة الوحيدة التي كانت تداعب الابن الضال هي خبز بيت أبيه. لم يُفكِّر في محبة أبيه لأنه لم يكن قد جاء إليه. فهو إنما كان يعتبره مجرد سيِّد وقد حاول أن يهرب من خدمته التماسًا للذَّة بعيدًا عنه؛ وإن شاء أن يعود الآن فإنما إلى سيِّد يسخو في الأجر أكثر من سواه. وعلى الجانب المقابل نرى الأب وقد استرَّد ابنه، ولسوف يُريه ما هو قلب الأب حقًا.

حينما ركض الأب لاستقبال ابنه لم يقف لكي يبدِّل له ثيابه الرثة، إذ لا شيء من هذا القبيل يمنع الترحيب والتقبيل. والمحبة لا تؤخِّر التعبير عن نفسها في انتظار استكمال الإجراءات. وكل ما هنالك أنه قبل أن يدخل بيت أبيه ينبغي أن يلبس الثياب اللائقة بذلك البيت، قبل أن يتكئ مع أبيه علي المائدة يجب أن يكون مؤَّهلاً لها، وبذلك يتفادى تعيير الناس وشكوك نفسه من حيث قبوله أو تأهيله.

أبوه يصدر الأوامر ويَعِدّ لكل شيء عُدَّته. أما العبيد فإن حظهم في المشهد كله هو أن يُلبسوا الابن المحبوب الحُلة الأولى. وكانت في ذلك فرحتهم، إذ ما أسماه امتيازًا أن يشاركوا الأب مسرَّته, حتى قبل أن «ابتدأوا يفرحون». وهي وسيلة لطيفة يتعلَّمون بواسطتها قلب سيدهم الكبير، ويدخلون إلى رحاب أفكاره النبيلة! ويا لها من خدمة مبتهجة أن يحوِّلوا هذا الضال القذر إلى ابن البيت رافلاً في أغلى حُلة!

لكن هناك إنسان لم يكن مُهيئًا لدخول الوليمة: الابن الأكبر. هو لا يختلف عن أخيه الأصغر. ففي دوره أظهر أنه لا يعرف أباه. لم يكن ينظر إلى نفسه إلا كمَنْ «يخدمُه سنين هذا عددها»؛ وعلى مدى هذه السنين لم يعرفه! لكن محبة الأب تحتضن الكل، والصبر الذي تأنى على الضال حتى يرجع، في مقدوره أن يحتمل بُطء عدم الإيمان في الابن العنيد. خرج الأب الطيب يطلب إليه، وليُجاوِب كلماته المريرة بكل أدلة المحبة، ويُريه كذلك مكانه الحقيقي في البيت. ولئن لم يكن حديث الابن سوى مجرد حديث مع سيد قاسِ، يكشف به عن دفائن قلبه، ويعلن أنه ليس إلا عبدًا متمردًا ناكر الجميل في وجدانه، لكن أباه يُجيبه: «يا بُنيَّ أنت معي في كل حين، وكل ما لي فهو لك». يا لقلب الله!! ما ألطفه! ما أكثر حنانه!

أيها الآبُ المباركْ نحن بملءِ السرورْ
شاكرون فضل حُبِّكْ كلَ أجيالِ الدهورْ

وليم كلي
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net