الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الثلاثاء 24 سبتمبر 2013 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
أغاني نصف الليل
اللهُ صَانِعِي، مُؤْتِي الأَغَانِيِّ فِي اللَّيْلِ ( أيوب 35: 10 )
قضى ”لودفيج فان بيتهوفن“ (1770-1872)، الموسيقيُّ الألمانيُّ الفذّ، مُعظم سني بلوغه وهو يخشى الصَّمَم. وفي وسعك أن تتصوَّر كيف كان شعوره لما حصل ما كان يخشاه. ففي الثلاثينات مِن عمره، أخذ سَمَعه يتلاشى تدريجيًا حتَّى لم يَعُد يستطيع فهمَ ما يُقال له إلاَّ بواسطة الكتابة.

ودخل ”بيتهوفن“ في ليل الصَّمَم والحزن والوحدة الكئيب، فانسحب من الأوساط الفنية تدريجيًا، وامتنع عن العزف في الحفلات العامة، وابتعد عن الحياة الاجتماعية، واتجه للوحدة، وأمضى حياته بلا زواج. وبالرغم من اليأس الذي أصابه في أوقات عديدة، وكاد يصل به للانتحار، إلا أنه قاوم، ووجَّه جهده كله للإبداع الفني. وما أدهش الجميع أنَّ ”بيتهوفن“ بعدما فَقدَ سَمَعه كليًا، كتب بعض روائعه الخالدة. فإذا بات في عُزلةٍ أبعدته عن مشاغل العالم، تدفَّقت عليه الأنغام والألحان الجديدة بالسرعة التي بها استطاع قلمُه أن يكتب. وإذا بِلَيلِ صَمَمِه يغدو بَرَكةً عظيمة!

وهكذا أيضًا أولاد الله: فغالبًا ما يجدون فرحًا جديدًا في ليل أحزانهم، ونعمةً غير متوقَّعة في زمن احتياجهم. وكثيرًا ما أحرزنا نُصرة عجيبة في ظرف كنا فيه نخشى الهزيمة، وتغنينا بأعذب الأغاني في يوم شرير ألزمنا شره بالاستناد على الله وحده. وحينما يعزلنا الله عن أمور هذا العالم، يُمكننا أن نتوقَّع سماع سيمفونيَّات السماء على نحو أكمل. وحتى لو اكتنف الظلام كُلَّ ما حولنا، فبنعمة الله نجد أنه ما يزال في وسعنا أن نبتهج بإله خلاصنا.

ونحن لا نخشى من خوف الليل لأن اللهُ صَانِعُنا هو «مؤتي الأغاني في الليل» ( أيوب 35: 10 ). وإن نحن اصطبرنا حتى يُسمِعنا موسيقاه، فسيتبيَّن لنا أنه ما مِن اُغنيةٍ البتَّة أحلى من ”أغاني نصف الليل“ التي يؤتينا إيّاها. نعم، هو يؤتينا الأغاني في أحلك ساعات ليالي التجارب «ونحو نصف الليل كان بولس وسيلا يصليَّان ويسبحان الله، والمسجونون يسمعونهما» ( أعمال 16: 25 ). كان بولس وسيلا في السّجن في شدّة الألم ولم يستطيعا النوم، لكنّهما كانا في سلام كامل لأنّ الله قوَّى إيمانهما، فكانا – في نصف الليل - يُصلِّيان ويُرنِّمان لله بصوت مرتفع حتى سمعهما كل المسجونين. فما أعجب سلام الله الكامل الذي يُنشئ فرحًا داخليًا مهما كانت قسوة الظروف المحيطة. ولا يستطيع أعداء المؤمن أن يحرموه من سلام الله حتى وإن كان في السجن.

فايز فؤاد
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net