الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الاثنين 28 إبريل 2014 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
حياة ضائعة
فإنَّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَلِّصَ نَفْسَهُ يُهْلِكُهَا، ومَنْ يُهْلِكُ نَفْسَهُ مِنْ أجْلِي يَجِدُهَا ( متى 16: 25 )
بقيت حبتا قمح في يد الفلاح يوم الزرع، فسألته إحداهما: ”إنت ناوي تعمل بينا إيه؟“ أجابها: ”زي ما باعمل في كل الحبوب“. فسألته بحدَّة: ”بتعمل فيهم إيه؟“ ”أزرعهم ليُثمروا“. ”إزاي؟“ ”أرميهم في الأرض“. ”في الأرض؟ في الطين؟ تحت الأقدام؟“ تمام .. ولمَّا تقع حبة القمح في الطين، تموت؛ وتكون النتيجة إنها تجيب ثمر. ”لا .. لا .. أنا مش عايزة اترمي في الأرض“. ”بس كده ها تفضلي حباية واحدة لوحدك“. ”أنا عايزة أعيش .. أعيش حياتي زي ما أنا عايزة. أقضِّيها بالطول والعرض .. أنا لسة صغيرة. لا ما تزرعش“ ”براحتك!“

والتفت للحبة الثانية، التي بقيت تستمع صامتة طوال الوقت، وقال لها: ”وأنت؟ عايزة إيه؟“ أجابت بهدوء: ”عايزة اللي انت عايزه .. عايزه أجيب ثمر“. فرماها الزارع في الأرض، وقلَّبها في الطين، وفي لحظات اختفت عن الأنظار، تحت الأرض.

بينما أخذ الحبة الأولى، المعترضة، ووضعها جانبًا. فتنفَّسَت بسرور لأنها نجت من مصير زميلتها: أن تُرمى في الأرض؛ لقد كانت تريد أن تخلِّص نفسها. بعد قليل، هبَّت الرياح، فتقاذفت الحبة هنا وهناك، فصرخت للزارع: ”انجدني .. الريح بتشيل وتحط فيَّ .. أنا تعبت“.

أخذ الزارع الحبة، ووضعها على المنضدة داخل البيت ليبعدها عن الريح. ما أن استراحت قليلاً والتقطت أنفاسها، حتى فوجئت ببضعة أطفال يعبثون بها، واحد يفركها بيده، والآخر يقذفها في الهواء، يضغط عليها. فعادت للصراخ مرة أخرى: ”انجدني .. تعبت من عبث الأطفال!“.

أخذها الزارع، ووضعها في صوان (دولاب)، فتنفَّسَت أخيرًا لشعورها بأنها وصلت لراحتها. مرَّ الوقت، فشعرت بضعف شديد، وبدأت تعتريها ظواهر غريبة. لمحت الفلاح، فقالت له في صوت واهن ضعيف: ”ما هذا الذي يحدث لي؟“ أجابها: ”ده سوس. طبيعي أن الحبة اللي تتركن كتير ياكلها السوس“.

ازداد الضعف والوهَن، واستمر الحال هكذا، حتى استنفذ السوس الحبة، ولم يَعُد لها وجود. لقد عَبَرتُ وإذ هي ليست بموجودة (مزمور 37)!!

أما الحبة الثانية، التي وقعت في الأرض وماتت، فبعد وقت، جاء موسم الحصاد، فإذ بها أثمرت سنبلة تحمل مئة حبة قمح. اكتشفت يومها أنها لم تَمُت، بل وضعت حياتها لتُثمر مئة حياة!! ماذا تختار أنت يا عزيزي؟

عصام خليل
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net