الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الجمعة 20 نوفمبر 2015 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
القميص والسيف .. النعمة والعدل
وَصَنَعَ الرَّبُّ الإِلَهُ لآدَمَ وَامْرَأَتِهِ أَقْمِصَةً مِنْ جِلْدٍ وَأَلْبَسَهُمَا... فَأَخْرَجَهُ الرَّبُّ الإِلَهُ مِنْ جَنَّةِ عَدْنٍ ( تكوين 3: 21 - 23)
في الأصحاح الثالث من سفر التكوين نجد رجلاً خاطئًا مُذنبًا عُريانًا، وفيه أيضًا يتمثَّل أمامنا الله بنعمته مُعالجًا هذا الخراب، مُطهِّرًا الذنب، كاسيًا العُري. وكل هذا يفعله حسب قصده؛ فهو يُسكِت الحية ويحكم عليها بالسحق الأبدي، ويؤسس مجده الأبدي، ويعدّ الحياة والبر للخاطئ بواسطة نسل المرأة. ولا شك أن هذه هي النعمة التي لا مثيل لها؛ النعمة المُطلقة التي بلا شرط، النعمة الكاملة، نعمة الله. بل ويُعطي الرب ابنه ليكون نسل المرأة المسحوق لأجل فداء الإنسان، ويذبحه ليُهيء ثوبًا من البر الإلهي، يكتسي به الخاطئ العريان. وهذا أيضًا مِن مُجرَّد النعمة الخالية مِن كل تشويه.

غير أنه يجب أن نلاحظ ظهور النعمة مقترنة بظهور العدل الإلهي. فإن كانت النعمة قد كَسَت الإنسان، ولكن العدل طرده مِن الجنة «وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما» (ع21)، ولا شك أن هذا عمل النعمة الصافي، إلا أننا نقرأ في الوقت نفسه «فطرد الإنسان وأقامَ شرقيِّ جنة عَدن الكروبيم ولهيب سيف متقلِّب لحراسة طريق شجرة الحياة» (ع24)، وهنا يتضح لنا عمل العدل الخطير الذي يكسر النفس ويُخضِعها. فكما كان قميص الجلد ثمرة حلوة مِن ثمار النعمة، فلهيب السيف المتقلِّب علامة خطيرة للعدل. وكان آدم موضوع كليهما؛ فكلَّما نظر إلى القميص انشغل بالنعمة الإلهية، وكلَّما تطلع إلى السيف تذكَّر العدل الإلهي. ولذا يجب أن نعتبر القميص والسيف منظَرين أوليين للنعمة والعدل. وحيثما يتحد عمل النعمة والعدل فالنعمة تغفر، ولكن العدل يدور دورته المرعبة؛ فقد نال آدم غفرانًا تامًا، غير أن خطيته قد أنتجت نتائجها، فقد أُزيل ذنب ضميره، ولكنه بقيَ «عَرَق وجهِهِ» (ع19). فقد ذهب مُبرَّرًا مكتسيًا، ولكنه استمر وسط «الشوك والحَسَك» (ع18). وقد يُطعَم سرًا مِن ثمار النعمة الحلوة، بينما يعترف جهرًا بسلطان العدل وتأثيراته العَلنية.

إن عدل الله قضى أن يُطرَد الإنسان، لكن لم يكن ذلك قبل أن تعفو النعمة وتُلبِسه ثوبها الجميل. قد طرده العدل إلى عالم الأحزان، لكن لم يكن ذلك قبل أن تضع النعمة في يده مصباح الوعد الذي يُفرحه وسط تلك الأحزان، ويُمكنه أن يسير تحت عبء قوة هذا العدل كلما اختبر في نفسه مقدار النعمة الغنية.

كنتُ أسيرًا في الآثامْ والعدلُ قاضٍ بالقصاصْ
ففكَّني فادي الأنامْ وقالَ لي نِلتَ الخلاصْ

ماكنتوش
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net