واحدة من السجايا التي أضافت لخدمة بولس المُثمرة رونقًا، وأظهرت في ثمر محبته التاعبة نضارة وإشراقًا، هي أنه كان يخدم بفرح وطيبة قلب، رغم كل الأتعاب الوافرة التي واجهها. لم يكن يئن أو يضجر من ثقلها، بل اعتبرها نياشين تُزيِّن سعيه، وهكذا تَمَّم بفرح سَعْيه والخدمة التي أخذها من الرب يسوع. دعونا نتأمل في تلك الفضيلة من جانبين:
أولاً: محفزات جهاده:
1- لأنه أعطى نفسه للرب أولاً: الأساس الذي كانت ترتكز عليه كل خدمة بولس أنه عبد ليسوع المسيح. لم تَعُد لذاته قيمة أو مقامًا بل أنكر وجودها تمامًا، لم تكن نفسه ثمينة عنده، لأنه قد أعطاها بجملتها لسيده.
2- لأنه يعمل عملاً فاضلاً: كان يدرك جودة السعي الذي أنفق فيه حياته، وقد أسمَاه الجهاد الحسن. كان بولس يفهم ما معنى أن يكون عاملاً مع الله ومن أجله، مُقدِّرًا عظمة خدمة الرب يسوع وربح النفوس وبُنيان الكنيسة.
3- لأن تعبه ليس باطلاً: أدرك بولس أن أتعاب خدمته وجهاده سوف ينال عنها مكافآت جليلة أمام كرسي المسيح.
ثانيًا: صلابة جهاده:
1- رغم آلامه الشخصية: بولس كان إنسانًا تحت الالآم مثلنا، يسكن في خيمة ضعيفة. فالطاقة الجسدية محدودة والعمل كثير، لم يستعفِ من أتعاب الجسد المتنوعة التي يطول وصفها، رغم ذلك لم تمنع تلك الآلام تدفق أنهار التعزية التي فاضت على ضفاف قلبه لتغمر آخرين حوله.
2- رغم المقاومة الردية: واجه مقاومة من اليهود، وهو الشعب الذي قاوم الرب نفسه بدافع الغيرة والحقد، فهيَّجوا عليه الحُكَّام والجموع، كما قاسى آلامًا كثيرة من الأمم مثلما حدث معه في فيلبي.
3- رغم ثقل المسؤولية: دائرة مسؤوليات الرسول بولس واهتماماته كانت مُتسعة لدرجة تشمل جميع الكنائس وجميع القديسين. كان مُدركًا أن العمل كبير وهو صغير لكن لم يستعفِ منه، بل كان يستند على نعمة الله، ويواصل الجهاد بلا كَلل.