الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الثلاثاء 13 مايو 2003 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
فوق الظروف
فأحب الملك أستير أكثر من جميع النساء ووجدت نعمة وإحساناً قدامه أكثر من جميع العذارى، فوضع تاج الملك على رأسها وملَّكها مكان وشتي ( أس 2: 17 )
مَنْ كان يظن أن المسبية الذليلة، الغريبة اليتيمة، التي لا وطن لها، ولا عائلة، ولا جاه أو غنى، تصبح ملكة، بل امبراطورة على عرش أعظم امبراطوريات ذلك الزمان؟ مَنْ كان يظن من هؤلاء الذين تعاملوا معها ـ ربما عطفاً أو شفقة منهم عليها ـ مَنْ منهم كان يظن أنه في يوم من الأيام تصبح هدسة هذه هي الملكة أستير، والتي تعطي كل البلاد راحة تُسمى "راحة أستير"؟

بالطبع ما كان أحد يتوقع ذلك، لكن هذا هو الله. والدرس الذي نستخلصه من ذلك، هو أن الله في طرق تعامله الحكيمة مع شعبه، لا يضعهم في قلاع تحميهم من صروف الزمان، ولا يحصنهم بمتاريس ضد نوائب الدهر، ولا يسجنهم في كبسولات تمنع عنهم غدر الأيام، بل هو يتركنا نعايش الحياة ويتركها تعتركنا، نتقلب مع الآلام وتنقلب علينا الأيام، لكن بضمان واحد رائع أن مستقبلنا لا ترسمه الظروف، ونفسياتنا لا تحكمها غوائل الدهر، وإن كان الله يترك الظروف علينا إلا أنه لا يتركنا لها، بل على العكس فهو يتحداها إن كانت تستطيع أن تصنع بنا غير ما حددته مشيئته لنا، بل يذهب لأكثر من هذا فيجعلها هي نفسها المادة الخام التي ينسج منها خيرنا.

نعم أحبائي، إن المصائب والنوائب، الصروف والظروف، لا يمكنها أن تفعل شيئاً، مهما كثرت وثقلت، أكثر من الخير لنا "ونحن نعلم أن كل الأشياء تعمل معاً للخير للذين يحبون الله" ( رو 8: 28 ). فالأشياء لا تعمل معاً للخير من تلقاء نفسها، لكنها تُجبر إجباراً، من العزيز الحكيم صاحب السلطان وحده، على أن تعمل معاً للخير لهؤلاء الذين يحبون الله.

نعم، إن الله فوق الظروف وخارج حسابات البشر، لذا أقول لأحبائي المتألمين من جرى غوائل الدهر ونوائب الحياة: لا تهتموا بالغد، دعوا الغد يهتم بما لنفسه فيكفي اليوم شره، اتركوا المستقبل لمن يعلمه، والأيام لمن هو قادر على السيطرة عليها. ولا تحاولوا أن تتخيلوا الغد في ضوء اليوم، فقد يفاجئنا إلهنا المحب غداً، بخبر عظيم لم يخطر قط على بالنا اليوم، وتذكروا دائماً أن إلهنا أقوى من الظروف الصعبة. قد يسمح لنا بها، لكنه لا يتركها أبداً تحكمنا من جهة مستقبلنا وشخصياتنا.

ماهر صموئيل
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net