الصفحة الرئيسية فهرس الشواهد الكتابية مواقع أخرى إبحث في المقالات إبحث في الكتاب المقدس إتصل بنا
  مقالة اليوم السابق الثلاثاء 21 مارس 2006 مقالة اليوم التالي
 
تصفح مقالات سابقة    
قصد الله من الحرمان
بيع يوسف عبدًا. آذوا بالقيد رجليه. في الحديد دخلت نفسه، إلى وقت مجيء كلمته. قول الرب امتحنه. أرسل الملك فحلّه... أقامه سيدًا على بيته ( مز 105: 17 - 21)
إن يوسف، بروعة وسمو عظيمين، قَبِل كل ما تعرّض له من إخوته دون تذمر على الله أو مرارة من جهة الناس، فقد دخلت في الحديد نفسه رغم ليونة عوده الغض، وآذوا بالقيد رجليه اللتين سعتا تاعبتين في البحث عنهم لخيرهم، وبيع يوسف عبدًا، ذاك الذي كان في بيت أبيه أميرًا، هذا كله بالإضافة إلى حرمانه من أمه المحبوبة الجميلة، وهو بعد طفل صغير في أشد الاحتياج إليها. وهذه الكوارث المُرعبة كانت كافية أن تُنتج شخصًا عدوانيًا ناقمًا، متذمرًا قاسيًا، عنيدًا وعنيفًا. لكننا على العكس تمامًا، نراه في تكوين 39 في ثياب العبد الخشنة، خادمًا بكل محبة وتفانٍ وإخلاص لسيده، قابلاً وضعه الجديد الغريب على شخصيته ونفسيته، دون تذمر أو تململ. بل عاش كعبد وكأنه مولودًا عبدًا بين العبيد.

وإني أتخيله متغلبًا على آلامه، فعندما يستشعر الحنين الشديد لعطف أبيه يقول لنفسه: اصمتي يا نفسي، فطالما أراد لكِ الله الحرمان من العطف فليكن. وعندما يرغب في الراحة من عناء التعب ولا يجدها، يقول لنفسه: اصمتي يا نفسي، فطالما أراد لكِ الله التعب فليكن. لقد كانت نفسه نحوه كفطيم، لكنه تدرّب كيف يهدئها بل ويُسكتها، كل هذا دون مرارة أو ضجر .... أ فليست هذه روعة تخلب الألباب؟

وإنني أرى أن قبول يوسف لتجربته المُرَّة، وتعايشه معها، هما أهم عوامل نُصرته على الخطية في تكوين 39. فمَنْ تدرب كثيرًا على أن يقول لنفسه: "لا" أمام رغباتها المشروعة لعدم توافرها، سيسهل عليه أن يقول لنفسه "لا"، أمام رغباتها غير المشروعة رغم توافرها.

إن الآلام النفسية التي نتعرَّض لها أثناء تجاربنا وضعفاتنا المختلفة، هي نوع من الحرمان للنفس من شيء يسعدها ويُريحها، وهذه الأشياء التي تُحرم منها، مشروعة كالحب والحنان والنجاح والراحة والأمان والاحترام والانتماء، إلى آخر هذه الاحتياجات الشرعية. وقبولنا لهذا الحرمان وتدربنا على العيشة به، قانعين بما يقسمه الرب لنا ـ مثلما فعل يوسف مع ظروفه في بيت فوطيفار، يجعل النفس صلبة للغاية، ويدربها على احتمال المُعاناة، بل يجعلها كالنخلة تزهو بأقل قدر من المياه، ومن مواجهته أعتى الظروف. وهكذا عندما تُعرض عليها الخطية، ستعرف كيف تقول "لا".

ماهر صموئيل
Share
مقال اليوم السابق مقال اليوم التالي
إذا كان لديك أي أسئلة أو استفسارات يمكنك مراسلتنا على العنوان التالي WebMaster@taam.net