يختلف مذبح النحاس عن المذبح الذهبي في أن الأول يحدثنا عن إيجاد العلاقة بين الإنسان الخاطئ والله العادل القدوس، وبالتالي فإنه يرتبط به فكرة الموت وحتمية سفك الدم. وهذا كله رمز لموت المسيح فوق الصليب وسفك دمه، وحصول المؤمن بهذا على الضمير المُطهَّر، وعلى كمال القبول في محضر الله. وأما مذبح الذهب: فلا نجده مرتبطًا بما له علاقة بالموت وسفك الدم، حيث إنه لا يحدثنا عن إيجاد العلاقة مع الله القدوس، بل على نتيجة هذه العلاقة الرائعة، إذ يحدثنا ـ بلغة الرمز ـ عن سجود القديس في الأقداس السماوية، وهو يرتبط بالرائحة العطرية فقط.
ومن الجميل أن نلاحظ أنه قبيل الحديث في خروج30 عن مذبح البخور، حدثنا الوحي في آخر أصحاح 29 عن مذبح النحاس والمحرقة الدائمة التي كانت تُصعَد عليه. فبعد إصعاد المُحرقة الدائمة، كان الكاهن يدخل إلى القدس ليوقد البخور. ولهذا مدلوله الجميل، وهو أن الكاهن كان يدخل إلى القدس في استحقاقات المحرقة التي التهمتها النار على مذبح النحاس. فالله يريد أن يربط في فكرنا بين المذبحين.
ولقد تأخر ظهور الساجدين الحقيقيين حتى أتى المسيح ومات ثم صعد، وبمجيء المسيح إلى العالم عرفنا الله حق المعرفة ( يو 1: 18 )، وأُعلن لنا اسم الآب ( يو 17: 6 )، فأمكننا أن نسجد له. ثم بموت المسيح فوق الصليب فُتح أمامنا طريق الأقداس السماوية، إذ انشق الحجاب ( مت 27: 50 ، 51). ثم بصعود المسيح إلى السماء أرسل إلى قلوبنا الروح القدس ( يو 16: 7 )، ليكون هو قوة السجود الحقيقي.
ومن الجانب الآخر فنحن لا يمكننا أن نقدم السجود إلا على أساس المحرقة الحقيقية وموت الصليب. بكلمات أخرى لا يمكن أن يكون البادئ هو الإنسان بل لا بد أن يكون الله هو البادئ. ويمكن القول إنه في مذبح النحاس الله هو الذي قدم ونحن الذين تلقينا، بينما في مذبح الذهب نحن نقدم والله هو الذي يتلقى. ففي مذبح النحاس نجد كيف لم يُشفق الله على ابنه، بل بذله لأجلنا أجمعين ( رو 8: 32 )، بينما في مذبح الذهب نحن الذين نقدم للآب شخص المسيح، باعتباره موضوع سجودنا.