لا أعود أسميكم عبيدًا، لأن العبد لا يعلم ما يعمل سيده، لكني قد سميتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته.. ( يو 15: 15 )
سحابة من شهود .. باقة عطرة من رجال الله صاروا بالنعمة أصدقاء الله، نخص منهم بالذات إبراهيم وموسى وداود. ثلاث مرات يذكر الكتاب اسم إبراهيم مقترنًا بكلمة «خليل الله»، صديق الله. ولقد قام الله بزيارة إبراهيم عند بلوطات ممرا التي في حبرون ( تك 18: 1 ). وهناك جلس الرب على المائدة أمام الوليمة التي أعدها إبراهيم. قاضي سدوم (الله) يتبادل الحديث مع الذي قهر سدوم. القاضي السماوي يتجاذب الحديث مع الذي بالإيمان رفض أن يأخذ خيطًا أو شراك نعل من ملك هذه المدينة النجسة الرجسة ( تك 14: 23 ). أية كرامة وأية ثقة تلك التي نالها رجل الله! في حرية تامة نراه يتقدم ويقف أمام الله بعدما شيَّع الملائكة «وأما إبراهيم فكان لم يَزَل قائمًا أمام الرب» ( تك 18: 22 ). وفي جسارة وجرأة وود منقطعي النظير نراه يتضرع قائلاً: «أ ديان كل الأرض لا يصنع عدلاً؟»!
أما موسى، كليم الله الذي كان الرب يكلمه وجهًا لوجه كما يكلم الرجل صاحبه ( خر 33: 11 ). فما أكثر الحديث والكلام الذي جرى بين الله وبين موسى، ولم يُخبرنا الكتاب عنه شيئًا! فهدف الوحي لم يكن الحديث في ذاته بل أن يُظهر لنا العلاقة الحلوة وهذا الوِّد الذي ربط بين الله وعبده موسى. في جرأة وجسارة زائدة وبساطة قلب يتدفق بالحب، يتضرع ذات مرة ويقول: «ارجع عن حمو غضبك، واندم على الشر بشعبك» ( خر 32: 12 ).
وتعالوا نختم الثلاثية بمرنم إسرائيل الحلو، الذي بعدما استلم رسالة خاصة من الله على فم النبي ناثان، يقول الكتاب: «ودخل الملك داود .. وجلس .. أمام الرب» ( 1أخ 17: 16 ). الإنسان الترابي .. الدودة والرمة يجلس في حضرة الله! والحديث يطول، والجلسة تستمر .. وكأن الله أتى، وعند داود صنع منزلاً.
وتبارك اسمه للأبد ـ حينما يأتي في سلطان نعمته المطلق ليتقابل معنا وجهًا لوجه .. كإنسان يكلم صاحبه، علينا وقتئذٍ أن نجلس، مجرد أن نجلس، نجلس فقط وكما نحن .. لنستمع!! تعالوا معي لنستمع ونسجد معًا لهذا العجيب المجيد، والنعمة تنساب من شفتيه كقطرات من الشهد «لكني سمَّيتكم أحباء لأني أعلمتكم بكل ما سمعته من أبي» ( يو 15: 15 ).